البروفيسور جمال الزبدة من وكالة ناسا الأمريكية إلى ورش “القسام”

عالم استثنائي في الهندسة، فُتحت أمامه أبواب الدنيا، فتركها ليختار طريق المقاومة، وظّف علمه في تطوير صواريخ القسام، ومضى في هذا الدرب سنوات، فكل شيء يرخص إذا كثر إلا العلم، فإنه إذا كثُر غلا وارتفع ثمنه وكان ثمنه كبيرًا.

اتسع صدره لعلم الدنيا والآخرة، فاختار علم الآخرة وعمل على تطويره، فأحقيته بهذه الأرض جعلته يتسلح بالإيمان والعزيمة؛ ليكون أبرز المهندسين الذين طوروا صواريخ وأدوات المقاومة بشكل علمي.

قبل نحو 35 عاماً، نال أحد أبرز مهندسي التصنيع في “كتائب القسام”، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الشهيد جمال الزبدة درجة الدكتوراه في العلوم الهندسية والميكانيك، من معهد فيرجينيا للفنون التطبيقية بالولايات المتحدة الأميركية، فعرفت أبحاثه في الديناميكا الهوائية وجناح دلتا، المستخدمة في صناعة الطائرات الحربية المختلفة، طريقها لعشرات المجلات والكتب العلمية المتخصصة.

لم يكن البروفيسور جمال الزبدة مواليد 1956، الذي تنحدر عائلته من مدينة حيفا المحتلة (شمال فلسطين) ويحمل الجنسية الأمريكية؛ معروفاً على الساحة الفلسطينية كقيادي في المقاومة، إلا أنه كان يعمل في الخفاء على عين قائد أركانها، محمد الضيف، لتطوير قدراتها العسكرية، مترأسًا مجموعة مهندسين وخبراء محلّيين، يعملون ليل نهار لتحويل الموارد الشحيحة في قطاع غزة إلى أدوات متقدّمة تواجه جيش الاحتلال.

الزبدة الذي خرّج أجيالًا كثيرة من المهندسين الأكاديميين، واستقطب سرّاً المئات منهم ليعملوا في البرنامج السرّي للمقاومة؛ لتطوير أدواتها العسكرية وخاصة فيما يتعلّق بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وضعه الاحتلال تحت الرادار منذ عام 2010، بعدما كان يشغل رئيس قسم الهندسة الميكانيكية في “الجامعة الإسلامية بغزة”.

مزيج من الانبهار والفخار، يشعر به من يطالع سيرة هذا العالم المقاوم، المحاضر الجامعي الستيني، الذي انخرط في العمل العسكري وأخذ معه ابنه البكر أسامة في ذات الطريق؛ تاركاً وراءه كل ما لذ وطاب من ملذات ليحقق هدفًا واحدًا؛ وهو تطوير قدرات المقاومة لتكون أكثر إيلامًا للاحتلال.

زوجته “أم أسامة” التي ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة، قالت لـ “قدس برس”: “جاء (أبو اسامة) يومًا ليخبرني بالطريق الذي يسلكه مع المقاومة، وترك لي الخيار، فاخترت بلا تردد دعمه وإسناده، وأن أرافقه في مشوار الجهاد والمقاومة، وأنا أعرف نهاية هذا المشوار إنها الشهادة”.

وأضافت: “غرس أبو أسامة في نفوس أبنائه وأحفاده الصغار حب الوطن والتضحية من أجله، ورغم أنه كان قليل الكلام، فإن حديثه دائما كان عن المقاومة سبيلًا وحيدًا لتحرير فلسطين”.

وتتابع: “كان كثير القيام بالليل وخاصة خلال شهر رمضان، والدعاء قبيل اندلاع الحرب بأيام وساعات قليلة أن يكتب الله له الشهادة، ويقول دائمًا، (القدس مستاهلة التضحية)”.

ورغم ما ظهر عنه بعد استشهاده كشخصية عسكرية وقائد في المقاومة، فإن أم أسامة تؤكد أن هذه الشخصية لم تكن ظاهرة عليه في المنزل وفي تعامله مع أسرته ومحبيه، وتقول: “كان حنونًا رقيقًا، ودودًا مع أسرته وكل من يعرفه، كان كلما دخل إلى البيت يذهب إلى غرفة ابنته سارة ويقبل يديها ويمسح على رأسها طالبًا العفو عن تقصيره تجاهها ويعتذر لها بقوله (هي القدس من لها غيرنا)، ثم يخرج إلى الصالة ويقبل يدي وأيدي أحفاده الذي كان يضعهم على ظهره ويتجول في فناء البيت”.

الشخصية العسكرية ظهرت تفاصيلها عقب اغتيال الدكتور الزبدة، والذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه “صيد ثمين”، وكان يمثل قوة رئيسية في منظومة سلاح “حماس”، والمسؤول عن إنتاج وتطوير الصواريخ.

وبحسب “أم أسامة”؛ فإن زوجها جنّد نجله أسامة وعددًا من المهندسين، للعمل معه في “دائرة التصنيع العسكري” على تطوير ترسانة “القسام” بأقل الإمكانات، وباستخدام مواد بدائية متوفرة في غزة المحاصرة، وقد بدأ التطور لافتًا خلال معركة “سيف القدس” الأخيرة التي ارتقى خلالها.

وتضيف أم أسامة: “عمل زوجي في وكالة ناسا بالولايات المتحدة، إلا أنه قرر عام 1994، أن يخدم قضيته فخرج من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإمارات العربية المتحدة، ولم تمنعه الامتيازات التي يتمتع بها السائح الأجنبي بسبب جنسيته الأمريكية، من العودة إلى مسقط رأسه غزة عام 1998، ليخدم وطنه وشعبه وقدسه بعلمه.

انتسب الزبدة إلى الجامعة الإسلامية بغزة محاضرًا فيها، فالتقى بالشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، أحد ابز قادة حركة “حماس” وبايعه على الجهاد في حرم الجامعة حيث اجتمع العلم والجهاد، وبدأ حياته الجهادية في تطوير القدرات العسكرية لكتائب القسام، وكان مدى صواريخها في ذلك الحين لا يتعدى 30 كيلومترًا، لتفاجئ الجميع خلال العدوان الأخير، بصواريخ تغطي مساحة فلسطين التاريخية.

وفي الحرب الثانية على غزة عام 2012، حاول الاحتلال اغتيال الزبدة؛ حيث قصف منزله في مدينة غزة، وكانت محاولة الاغتيال بالنسبة للكثيرين مفاجئة، ولم يتم ربطها في حينه بقيمته العسكرية التي ظهرت عقب اغتياله كمسؤول عن دائرة التصنيع العسكري في كتائب القسام، وتطوير برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة خلال معركة” سيف القدس” في أيار/ مايو الماضي برفقة قادة ومهندسي القسام.

وكشف العدوان على غزة عن تطور كبير ولافت في قدرات “حماس” الصاروخية، بإدخال ذراعها العسكرية “كتائب القسام” أنواعًا جديدة من الصواريخ إلى الخدمة، تتمتع بمدى أكبر وبقدرة على حمل رؤوس متفجرة ذات قوة تدميرية عالية.

وكان صاروخ “عياش 250” هو أحدث الصواريخ التي كشفت عنها كتائب القسام وأدخلتها إلى الخدمة خلال العدوان، وهو يحمل اسم يحيى عياش -أحد أبرز قادتها- الذي اغتاله الاحتلال عام 1995، ويصل مداه إلى 250 كيلومترًا، وبقدرة تدميرية كبيرة.

وتبدي أسرة الزبدة فخرًا بكون الدكتور جمال كان أحد أبرز المسؤولين عن تطوير هذه المنظومة الصاروخية.

وتتعهد “أم أسامة” بإكمال طريق زوجها، وتربية أحفادها على درب المقاومة ضد الاحتلال، حتى تحقيق حلم جدّهم، “بتحرير تراب فلسطين كاملًا من البحر إلى النهر”، حسب قولها.

Source: Quds Press International News Agency