اتفاقية “الطاقة مقابل المياه” بين الأردن والاحتلال.. الدلالات والانعكاسات

تتصاعد الاحتجاجات الشعبية والطلابية والحزبية والنقابية في الأردن، إثر ما وصف بـ”إعلان نوايا” لتوقيع اتفاقية لتبادل المياه والكهرباء بين الأردن و”إسرائيل” بتمويل إماراتي، ورعاية أمريكية.

وتدور في الشارع الأردني تساؤلات حول انعكاس الصفقة الجديدة على مستقبل البلاد، وأثرها على موقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية، ومدى تأثير الاحتجاجات الشعبية على استكمال الاتفاقية، وما إذا كان ثمة بدائل لتوفير المياه غير الذهاب إلى خيار تطبيعي مع الاحتلال.

تطور مقلق وخطير

ورأى الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، أن المشهد الأردني “يضعنا أمام تطور مقلق وخطير، يعزز احتياجات الأردن في مجالات حيوية واستراتيجية، ويهدد شأن الأمن”، مضيفاً: “نحن اليوم أمام إعلان نوايا لتبادل المياه والكهرباء، وأمس كانت اتفاقية الغاز والطاقة”.

وقال لـ”قدس برس” إن “الأمر يزداد خطورة، والعلاقة بين الأردن والاحتلال لا تتجه نحو انفراجات حقيقية بالملفات الرئيسية، برغم بعض التكتيكات الإسرائيلية الجزئية، مثل قبول زيادة التبادل التجاري بين الأردن والضفة الغربية”.

وتابع الرنتاوي: “بعيداً عن الإطار الاقتصادي؛ فإن الإطار السياسي الذي يمثل المصالح الوطنية العليا للأردن، يثبت أننا على خلاف أعمق مع حكومة بينيت من حكومة نتنياهو، التي كانت تصرح وتعطي إشارات إيجابية حول الحل النهائي”.

وأكد أن أمر الصفقة ما زال في بداياته، “ونحن نتحدث عن إعلان نوايا، ونأمل أن تدرك الحكومة قبل فوات الأوان أن هذا الطريق خاطئ، ويستفز قطاعات واسعة من الشعب الأردني، الذي عبر عن غضب حقيقي طلابيًا وحزبيًا ونيابيًا ونقابيًا وعبر مواقع التواصل”.

مشاريع لا تحمد عقباها

وبيّن الرنتاوي أن “هذا المنحى الجديد الذي يحاول استغلال حاجة الأردن للمياه لتحقيق أغراض سياسية أمر مرفوض، وما نراه اليوم محاولة لإدخال إسرائيل من البوابة الاقتصادية للمنظومة العربية، قد تنتهي بمشاريع لا يحمد عقباها”.

وأضاف أن “ثمة مصادر عدة للمياه يستطيع الأردن الاعتماد عليها، وإذا كانت الإمارات معنية بدعم الأردن؛ فأمامها إنشاء محطات تكرير مياه في العقبة، والطاقة الشمسية في معان، وبذلك يكون المشروع عربي أردني بامتياز”.

ولفت الرنتاوي إلى أن هناك سعياً لزيادة التطبيع على المستوى الشعبي، من خلال المنح الدراسية التي قدمت للطلبة الأردنيين للدراسة في معهد وايزمان، من خلال جامعة محمد بن زايد”.

تعميق انعدام الثقة بالحكومة الأردنية

من جهته؛ قال المحلل السياسي منذر الحوارات، إن “للاتفاقية أو ما وصف بإعلان النوايا، انعكاسات عديدة، أولها عدم الثقة بكل ما تقوله الحكومة الأردنية”.

وأوضح: “بينما كان الإعلام العبري يعلن عن اتفاقية؛ كان وزير الإعلام الأردني ينفي وجود أي شكل من أشكال الاتفاق مع كيان الاحتلال، مما ترك أثراً سلبياً، وعمّق فكرة عدم الثقة بالحكومة”.

وأضاف الحوارات لـ”قدس برس” أن “الحديث في الأردن كان يجري حول الوقوف في وجه أي محاولة للتفريط في الحقوق الفلسطينية، أو زعزعة الدور الأردني وإنقاصه في المقدسات، ويفترض في حالة الثبات الأردنية أن لا تقيم علاقات ذات بعد تشاركي مع الاحتلال، ومنها الطاقة والمياه”.

ورأى أن “من المؤسف أن توقيع هذه الاتفاقية مع الاحتلال قد يشير إلى أن الأردن وافق على صيغة ما أرادها المحتل أو فرضها”.

ولفت الحوارات إلى أن “هذا مؤشر خطير يهدد الأردن استراتيجيًا على عدة أصعدة، وإذا كان صناع القرار يريدون إيصال رسالة شديدة للكيان؛ فلا بد من قطع أي علاقة معه، وليس إعلان نوايا وتوقيع اتفاقيات”.

اتفاقية وليست مجرد إعلان نوايا

وأكد المحلل السياسي أن “هذه الاتفاقية ليست مجرد إعلان نوايا كما تقول الحكومة، فهي قيد دراسات الجدوى الآن، ومعنى ذلك أنها تكاد تصبح أمراً واقعاً، ومع كل هذا لم تعرض على الرأي العام الأردني، ولا على مجلس النواب، وهذا يعني تهميش دور ممثلي الشعب”.

وقال إن “العجيب أن الحكومة سهلت لكثير من أعضاء البرلمان أن يصبحوا نواباً، ولكن ليس لديها الثقة بهم في مثل هذا الملف، مما أشعَرَ المواطن الأردني بالخيبة والإحباط، وهو ما سينعكس في مواقفه مستقبلًا”.

وتابع: “الاتفاقية مرّت، ولا يمكن لأمريكا أن تقف على رؤوس الأشهاد وتوقع عقداً مع ثلاث دول وتتراجع، وليس باستطاعة الأردن والإمارات القول لأمريكا (لا)، فالمشروع نفذ في ظل تغييب الرأي العام، المنهك اقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا”.

وأقر الحوارات بمعاناة الأردن من نقص المياه، “ولكن حل هذه المشكلة بطريقة التشبيك مع الكيان أمر مرفوض”.

ولفت إلى أن “الأردن أصبح مرتبطاً مع الاحتلال باتفاقيات غاز، ومياه، وطاقة، وتنسيق أمني، وتحالف في الحرب على الإرهاب”، مضيفاً: “معنى ذلك أن الدولة الأردنية أصبحت في كثير من علاقاتها الاستراتيجية مرهونة مع الكيان، الذي يجب ألا يحمل صفة (دولة) كونه احتلالياً، ويخالف الشرعية الدولية”.

وأشار الحوارات إلى أن “ثمة ما هو أخطر، وهو طرح فكرة شراء المياه، وهذا الأمر له عواقب مستقبلية وخيمة على الأردن والمنطقة العربية برمتها، والجميع يعلم أن الدول العربية دول مصبات مياه، وإذا بادرت الأردن بإيجاد سابقة في شراء المياه؛ فمعنى ذلك أن تركيا ستبيع السوريين المياه مستقبلًا، وكذلك ستفعل أثيوبيا مع المصريين”.

وبيّن أنه “إذا كان ثمة جدوى اقتصادية من الاتفاقية، وإنعاش للحالة المائية في الأردن؛ فالثمن السياسي والاستراتيجي أغلى بكثير”، مؤكداً أن هذه الصفقة “جريمة ارتكبت بحق مستقبل الأردن، وحق القضية الفلسطينية”.

Source: Quds Press International News Agency