“النكسة” .. جرح غائر في صدر الوطن ما زال ينزف ألمًا

وسط لحظات صمت تام، لا يخترقها سوى صوت المذياع، كان يتجمهر عشرات الرجال، في مقاهي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ينتظرون سماع خبر تحرير فلسطين، حيث كانت المقاهي في الخامس من حزيران لعام 1967، ملتقى الباحثين عن أي أمل بعودة، قد ترسمها بنادق الفدائيين والعرب، وكانت المراكز الشبابية في المخيمات، محطات تجمع المثقفين من أبناء المجتمع الفلسطيني اللاجئ، حيث يتناقشون فيما بينهم، ويستمعون للراديو.

كان مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، ينتظرون اللحظة التي يُعلن فيها الانتصار الكبير على “إسرائيل”، ولكن في الخامس من حزيران في العام 1967، بدأ طيران العدو يقصف مدنا وعواصم عربية، وبدأت رحلة نزوح جديدة من مخيمات الضفة ورام الله إلى العاصمة الأردنية عمان العاصمة عمان.

وبدلًا من سماع خبر الانتصار الكبير، عاش العرب نكبة أخرى و”نكسة” لمشروع تحرير فلسطين، في حرب أسمها العدو المحتل بحرب الأيام الستة، واحتلت فيها “إسرائيل” الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية و مرتفعات الجولان السورية، وأدت إلى استشهاد نحو 20 ألف عربي، ومقتل 800 إسرائيلي.

كما دمّرت “إسرائيل” خلال الحرب، وفق دراسات تاريخية، ما يقدّر بنحو 70% إلى 80% من العتاد العسكري في الدول العربية، فيما لحق الضرر بنحو 2% إلى %5 من عتادها العسكري.

وترتب على “النكسة”، وفق إحصائيات فلسطينية، تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن.

وفتحت هذه الحرب، باب الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وبخاصة في مدينة القدس، وقطاع غزة (انسحبت من داخله عام 2005).

واليوم، ورغم مرور 54 عامًا على “النكسة”، إلا أن تداعياتها ما تزال مستمرة، حيث تستمر “إسرائيل” في احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السورية، رغم صدور قرارات دولية عن مجلس الأمن، تطالبها بالانسحاب منها.

الشرارة الأولى

شرارة الحرب الأولى، اندلعت بعد إقدام سلاح الجو الإسرائيلي على شن هجوم مباغت على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، في 5 حزيران/يونيو 1967، واستغرقت 6 أيام.

ويقول مؤرخون عرب، إن “إسرائيل” استغلت عدة أمور، لتبرير شنها للحرب، ومنها إغلاق مصر لـ”مضايق تيران” بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي اعتبرته “إعلانا مصريا رسميا للحرب عليها”، وذلك في 22 مايو/ أيار لعام 1967.

وبحسب تقارير فلسطينية، فإن “إسرائيل” تستولي على 85% من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، وتواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% فقط، وتخضع للاحتلال الإسرائيلي.

وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 1967، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القرار 242، والذي يدعو “إسرائيل” للانسحاب من الأراضي التي احتلتها في يونيو/حزيران من ذات العام.

لكنّ “إسرائيل” لم تطبق هذا القرار، ولاحقا، انسحبت “إسرائيل”، عام 1982، من شبه جزيرة سيناء المصرية، تطبيقا لمعاهدة “السلام” التي أبرمت بين مصر و”إسرائيل” عام 1979.

أما مرتفعات الجولان السورية، التي تعتبر أرضًا سورية محتلة، بحسب قرارات الشرعية الدولية، فترفض “إسرائيل” الانسحاب منها، حيث قررت في 14 كانون الأول/ديسمبر 1981 ضمها، بموجب قانون أصدره البرلمان.

ولم يعترف المجتمع الدولي بالقرار ورفضه مجلس الأمن الدولي، في قرار يحمل الرقم 497 صدر في 17 كانون الأول/ديسمبر 1981.

وفيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية، فقد استمر الاحتلال العسكري المباشر، للضفة الغربية وقطاع غزة، حتّى تأسيس السلطة الفلسطينية، عقب توقيع اتفاقية أوسلو للتسوية (بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل) عام 1993، والتي ترتب عليها تطبيق نظام الحكم الذاتي، في تلك الأراضي.

حسرة وألم

ويستذكر لاجئون إلى مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في الأردن، تجمع الرجال في قهوة “الدش”، المعروفة في المخيم.

“في تلك القهوة، وتلك الأيام من العام 1967، والتي سبقت النكسة، كان الجميع يحدق في الراديو الكبيرة، في لحظات صمت، لا يكسرها سوى صوت المذيع، الذي كان ينقل أخبار الضفة والقدس”، بحسب لاجئين.

وووفقا لروايات أبناء المخيم: “فإن عائلات غادرت بثيابها فقط، بينما تجمع الناس في الشوارع، حيث قام الأردن بواجبهم تجاههم”.

وشهدت تلك الفترة، بداية ولادة مخيمات جديدة في الأردن، كمخيم البقعة، وجرش، وغزة، وغيرها حيث اعتبرتهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” نازحين، وبدأت بمنحهم البطاقات.

Source: Quds Press International News Agency