مفارقات التطبيع الأمريكي من جاكرتا إلى الرباط (مقال تحليلي)

نقلت شبكة “سي إن إن” الإخبارية، مشاركة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في اجتماع نظمته الخارجية الأمريكية حول مكافحة وباء كورونا، شارك فيه وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يائير لبيد في 21 كانون الأول/ ديسمبر.

قبل ذلك بأسابيع، كشف تقرير لموقع “والا” و”أكسيوس” الإسرائيلي، مناقشة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إمكانية انضمام أندونيسيا إلى “اتفاقيات إبراهام”، أثناء زيارته للعاصمة جاكرتا، في 14 كانون الأول/ ديسمبر.

الإدارة الأمريكية رغم انشغالاتها الكبيرة في محاصرة واحتواء روسيا في أوكرانيا وبحر البلطيق، ومحاصرة واحتواء الصين في الباسفيك والمحيط الهندي؛ لم توفر جهداً لمحاولة تمرير التطبيع مع “إسرائيل”، كمشروع سياسي وأمني يدعم نفوذ “إسرائيل” ويعزز مكانتها الاستراتيجية ومكانة إدارة بايدن؛ فمناقشة الملف الصيني في جاكرتا وتوقيع اتفاقات تعاون، لم يمنع بلينكن من طرح ملف التطبيع بين “إسرائيل” وأندونيسيا، على أمل تحقيق اختراق لا يقل أهمية عن توقيع الرباط للاتفاق ذاته قبل أشهر قليلة.

معارضة جاكرتا

“اتفاق إبراهام” للتطبيع، وإن كان من بنات أفكار جاريد كوشنر؛ صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ومستشاره السياسي، إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة، وجدت فيه ضالتها لتمرير سياساتها في المنطقة، بل وفي الولايات المتحدة ذاتها، بإزاحة مناصري ترمب من المشهد وتجريده من إرثه السياسي في المنطقة.

“اتفاق إبراهام” مثّل مدخلاً لهذه السياسة، بعد أن شهد اتفاقاً على تطبيع “إسرائيل” للعلاقات مع أربع دول عربية (الإمارات العربية؛ البحرين؛ المغرب؛ السودان) في عهد ترمب، في حين عملت إدارة الرئيس الأمريكي على إنفاذه وتوسيعه، ليشمل عدداً أكبر من الدول الإسلامية والعربية، بعيد إزاحة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتيناهو، لتتفاجأ بمعارضة سعودية وباكستانية.

موقف سعودي وباكستاني دفع الإدارة الأمريكية لتكثيف جهودها، لإقناع أندونيسيا للانضمام إلى اتفاقات “إبراهام” التطبيعية مع “إسرائيل”، محاولة كسر حالة الجمود التي شهدها ملف التطبيع، عقب رفض السعودية، ومن قبل الباكستان، الانضمام إلى الاتفاقات التطبيعية.

جمود لم يتمكن وزير الخارجية الأمريكي من كسره أعقاب رفض أندونيسيا الانضمام لاتفاقات التطبيع؛ رغم تسلح بلينكن باللقاء العابر بين رئيس وزير الدفاع الأندونيسي، “برابوو سوبيانتو”، على هامش مؤتمر حوار المنامة السنوي في البحرين تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والقائم بأعمال سفارة الاحتلال الإسرائيلي “إيتاي تاغنر”.

التطبيع مفارقة أمريكية

الجهود الأمريكية وإن كان تركيزها منصباً خلال العام 2021 على الترويج للمشاريع التطبيعية كمفتاح للحل السياسي، وخفض التصعيد بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً بعد معركة “سيف القدس” في أيار/ مايو الماضي؛ إلا أن الإدارة الجديدة كانت معنية في الآن ذاته، بإزاحة نتنياهو من المشهد السياسي، سواء في الساحة السياسية الإسرائيلية والأراضي الفلسطينية؛ أو من المشهد السياسي في أمريكا؛ الذي كان فيه نتنياهو من أشد المتحمسين والحلفاء لترمب، مبرزاً التطبيع واتفاق “إبراهام” كإرث لترمب وإدارته.

إدارة بايدن ومن خلال تبني سياسة خفض التصعيد والمضي قدماً في ملف التطبيع، قدمت دعماً لحكومة الائتلاف بقيادة نفتالي بينت ويائير لبيد وبيني غانتس؛ متجاوزة بذلك بيئة الصراعات المحلية والإقليمية في الدول العربية والأراضي الفلسطينية، نحو العمل على إضعاف نفود ترمب داخل “إسرائيل” والولايات المتحدة؛ ثم الاندفاع بقوة نحو إحياء الاتفاق النووي مع إيران وإنجاز الانسحاب من أفغانستان.

المعارضة السعودية

جهود أمريكية واجهت معارضة سعودية غير متوقعة، عبّر عنها وزير الخارجية فيصل بن فرحان أكثر من مرة؛ إذ ربط التطبيع بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وفقاً للمبادرة العربية. أمر عاد وأكّده مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، في 17 كانون الأول/ ديسمبر، بضرورة إنفاذ “حل الدولتين” وانسحاب “إسرائيل” من الأراضي التي احتلها عام 1967، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.

فالسعودية ترى في القضية الفلسطينية الورقة الأخيرة الرابحة في إدارتها للعلاقة مع الولايات المتحدة، والتخلي عنها بالمجّان، سيعني خسارة صافية؛ ومن دون مقابل؛ خصوصاً بعد انسحاب واشنطن من أفغانستان وسحب دفاعاتها الجوية من الأراضي السعودية، والإعلان ووقف التعاون الاستخباري واللوجستي في اليمن، ووقف العمليات العسكرية في العراق؛ وأخيراً سعيها المتواصل لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، ما يجعل موقف جاكرتا وإسلام آباد انعكاساً لمواقف السعودية في كثير من جوانبه.

لا يُتوقع أن تتمكن الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن، من تحقيق المزيد من الاختراقات في ملف التطبيع للعام 2022؛ فرغم الاندفاع القوي للإدارة الأمريكية؛ إلا أن الرياض ومن ورائها جاكرتا وإسلام آباد، لا تملك الكثير من المبررات للاندفاع بمسار التطبيع؛ فالفوائد الاقتصادية والأمنية محدودة؛ والتنازلات المطلوبة والأثمان المدفوعة أخلاقياً وسياسياً لا تتناسب مع طبيعة المصالح والكلف التي يتوقع أن تدفعها الإدارة الأمريكية لقوى إقليمية، على شاكلة السعودية وباكستان وأندونيسيا، لا يمكن أن تقارن مطلقاً بالمنامة وأبو ظبي والرباط؛ أثمان لا يتخيل أن تجرؤ إدارة بايدن على دفعها من أجل التطبيع على حساب حلفاء إقليميين ودوليين فاعلين، وقوى محلية أمريكية يمنية متشددة.

Source: Quds Press International News Agency