مناورات “السينتكوم” البحرية منصة جديدة للتطبيع (تحليل)

شاركت كل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، في المناورات البحرية التي نظمتها القيادة المركزية الأمريكية الوسطى (CENTCOM ) في البحر الأحمر إلى جانب “إسرائيل”؛ لتكون الأولى من نوعها التي تشارك فيها دول عربية إلى جانب “القوة البحرية الإسرائيلية”، بُعيد نقل “إسرائيل” من منطقة عمليات القوات الأمريكية في أوروبا، إلى القيادة المركزية (CENTCOM ) في المحيط الهندي وآسيا الوسطى وغربها وانتهاءً بمصر.

رغم أهمية المناورات من الناحية السياسية والإعلامية، إلا أنها أقرب للدوريات المشتركة منها للمناورات البحرية؛ بمهام محددة، على رأسها إيقاف وتفتيش السفن العابرة لمياه البحر الأحمر، التي تحمل 13 في المئة من حجم التجارة العالمية؛ ما يعادل 2 ونصف ترليون دولار.

حضور إماراتي بحريني وغياب عربي أفريقي

الغريب في الأمر، أن الدول السبع المشاطئة للبحر الأحمر (الأردن ومصر والسعودية والسودان وأرتيريا وجيبوتي واليمن) إلى جانب الدول الـ13 المستفيدة من موانئه مثل (أثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان وغيرها) لم تشارك في هذه المناورات، في حين شاركت أبو ظبي والمنامة، في مناورات نظمتها القيادة المركزية الأمريكية بقيادة الأسطول الخامس الأمريكي، بعيداً عن شواطئ البلدين في بحر العرب وبحر عُمان والخليج العربي؛ فهل المناورات مجرد استعراض ومنصة أخرى للتطبيع وتسهيل الخروقات الأمنية والسياسية الإسرائيلية للعالم العربي والإسلامي والأفريقي الممانع، لضم “إسرائيل” للاتحاد الأفريقي بصفة مراقب؛ أم أنها نشاط أمني يستهدف إيران؟

الأشد غرابة من ذلك؛ أن مصر والأردن اللتين وقّعتا “اتفاقات سلام” مع الاحتلال الإسرائيلي، وتملكان مصالح قوية في البحر الأحمر، تفوق في أهميتها مصالح أبو ظبي والمنامة؛ لم تشاركا في المناورات، رغم كونهما يقعان ضمن منطقة عمليات القيادة المركزية (CENTCOM )؛ فمصر معنية بقناة السويس، في حين أن الأردن يعتمد على ميناء العقبة كمنفذ بحري وحيد، يطمح لتحويله إلى ميناء يقدم خدمات للجارة العراق.

لم تشارك القاهرة وعمّان في المناورات المعلن عنها الأربعاء الماضي، والممتدة خمسة أيام من تاريخه؛ رغم توافر المبررات الاقتصادية والسياسية والأمنية؛ فهل مشاركة أبو ظبي والمنامة لإحراج عمّان والقاهرة، ومقدمة لانخراط الأردن ومصر مستقبلاً في هذه النشاطات، التي تعطي “إسرائيل” أدواراً قيادية في المنطقة، على حساب القوى الإقليمية العربية، فاستبدال القوة الإقليمية الإيرانية أو التركية لا يكون بتتويج “إسرائيل” قوة إقليمية.

الأبعاد الجيو-اقتصادية للاختراق الإسرائيلي

غاب 230 مليون نسمة؛ هم مواطنو الدول السبع المشاطئة للبحر الأحمر، إلى جانب أكثر من 380 مليون نسمة من الدول المستفيدة من موانئ البحر الأحمر، وحضرت “إسرائيل” والمنامة وأبو ظبي التي لا يتجاوز تعداد سكانها مجتمعة 15 مليون نسمة.

غابت السعودية التي تملك مشاريع طموحة، على رأسها مشروع “نيوم” الممتد على الساحل الشمالي بالقرب من ميناء تبوك؛ مشاريع تحمل أفق جيو-اقتصادي، يتناسب مع الصعود الصيني وطموحاتها في الوصول إلى أسواق تضم 600 مليون نسمة، هم سكان الدول المنتفعة من البحر وموانئه؛ مع توقعات أن يبلغ تعداد سكان حوض البحر الأحمر خلال الأعوام الثلاثين القادمة ملياراً و300 مليون؛ فالصين أكبر المستثمرين في هذه السوق الواعدة بمشروعها الطموح الحزام والطريق للوصول إلى أفريقيا وأوروبا، مروراً بموانئ البحر الأحمر وشواطئه وأسواقه التي يبلع ناتجها القومي مجتمعة 2 ترليون و300 مليار دولار بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

ماذا تفعل “إسرائيل” في البحر الأحمر؛ وهل تبرر نشاطات طهران العسكرية في بحر العرب وبحر عُمان والخليج العربي، المناورات المشتركة مع الأسطول الخامس الأمريكي وقيادته المركزية في البحر الأحمر؛ علماً أن أبو ظبي سحبت قواتها الضاربة في اليمن من ميناء الحديدة والمخا؛ في الوقت ذاته الذي انطلقت فيه المناورات المشتركة مع “إسرائيل”؛ والأهم من ذلك، الاتصال والدعوات المتبادلة بين وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، شملت توجيه الدعوة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى طهران.

مفارقات أمنية بين البحر الأحمر والخليج العربي

السؤال حول مشاركة أبو ظبي والمنامة في المناورات محيّر ويعود ليُطرَح بقوّة؛ لماذا لم تشارك “إسرائيل” والإمارات والبحرين في مناورات مشتركة في الخليج العربي، بدل المناورات غير المبررة في البحر الأحمر؛ حيث يقبع ميناء جبل علي، وينقل أكثر من 80 في المئة من نفط الخليج إلى آسيا (الصين) وأوروبا.

هل تبرر نشاطات إيران المناورات والدوريات في البحر الأحمر؛ ولا تبررها الغارات والضربات الموجعة في بحر عمان لناقلات النفط والمنشآت النفطية، فضلاً عن السفن المملوكة لإسرائيليين؛ أنها أسئلة مشروعة؛ تدفع المراقب نحو البحث في الأجندة الأمريكية المعنية بالصين، ونشاطها التجاري في حوض البحر الأحمر، والأهم الحذر والخوف من ردات فعل القوى الفاعلة في بحر العرب والخليج العربي إيران وباكستان، التي ترصد باهتمام وقلق نشاط الغواصات الإسرائيلية في مياه بحر العرب.

ختاماً.. رغم أهمية البحر الأحمر لـ”أمن إسرائيل”؛ فإن إيران والحوثيين لا يمثلون أهدافاً حقيقية مشتركة لهذا النشاط البحري الإسرائيلي الأمريكي الإماراتي البحريني؛ فالدوافع الجيو-اقتصادية، والرغبة العميقة الأمريكية لتعزيز الخروقات الإسرائيلية للمنظومة الإقليمية العربية والأفريقية بأبعادها الأمنية والاقتصادية والسياسية، تعد أكثر أهمية بالنسبة لأمريكا؛ لمحاصرة روسيا والصين وتركيا وتعزيز مكانة “إسرائيل” في الآن ذاته، كقوة إقليمية في البحر الأحمر على حساب القوى العربية المستقبلية المحتملة.

Source: Quds Press International News Agency