هل القضية الفلسطينية حاضرة في المناهج التعليمية الأردنية؟

ثمة ارتباط تاريخي وثيق بين الأردن وفلسطين، وهما على أكبر خط حدودي جغرافي، وكانت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية، التي انتهت بفك الارتباط عام 1988، بالإضافة لتواجد أكبر نسبة لاجئين فلسطينيين في العالم، على أرض الأردن.

وفرضت اتفاقيتا السلام أوسلو ووادي عربة مع الجانب الإسرائيلي الكثير من التغييرات، فهل ما تزال القضية الفلسطينية حاضرة كالسابق في المناهج الدراسية الأردنية؟

الأردن على خطى مصر والمغرب

تقول النائب السابق في البرلمان الأردني هدى العتوم، إنه “بعد اتفاقية وادي عربة مع الكيان الصهيوني، بدأت الحكومة الأردنية بمراجعة المناهج التعليمية، لوجود ملحق بالاتفاقية حول ملف التعليم والمناهج الدراسية”.

وأوضحت لـ”قدس برس” أن “التغييرات سارت على أربعة أبعاد رئيسية، وهي الديني والقيمي والوطني والقضية الفلسطينية، والتوجه يتم عبر أنسنة المناهج وفق النمط الجاري، بحيث ينهي الطالب 12 عامًا من الدراسة، وبعدها من السهل جدًا انقياده وتقبله لأي فكر أو دين”.

وأضافت: “محور العقيدة بدأ يتضاءل بشكل كبير في المناهج، أكان بالحجم أو العمق، وهذا بالأدلة والشواهد ومن نتائج الدراسة الرابعة التي نقوم بها للمناهج 2020/2021”.

وأشارت إلى أن ما يجري هو “اتباع للسياستين المصرية والمغربية بجعل إسرائيل أمرًا واقعًا في أذهان الطلبة، وقد خطت السياسة التعليمية الأردنية عبر الخط الزمني في شكل متسارع في نحت هذا المسار”،

استئصال وليس تعديل

وتابعت العتوم: “من الواضح تمامًا، العمل على تغييب البعدين القيمي والوطني بشكل واضح، وطرحهما بنماذج متواضعة وبسيطة، ومن يعمل على المناهج لا يعدل بل يقوم بعمل الجراح باستئصال ما في المناهج من قيم”.

وبشأن القضية الفلسطينية على وجه التحديد، قالت: “كان أكبر ما يمكن فعله شطب كتاب القضية الفلسطينية من المناهج الأردنية، وهو ما كان”، فضلًا عن حذف أي موضوع مرتبط بها مثل “الجهاد والمقاومة”، والآيات القرآنية والأحاديث التي تبيّن فضل البطولات، وتنبه لخطورة العلاقة مع الصهاينة، والتذكير العميق بالنكبة والنكسة والهجرة، وكل ما يتعلق بها من تاريخ مجازر وشواهد وقصائد وصور معاناة، وهذا كله بدأ يختفي، وما ترك لا يسمن ولا يغني من جوع”.

خرائط مدرسية بلا ذكر اسم فلسطين

ولفتت العتوم إلى أن “أكثر من 60 في المئة من الخرائط المدرسية الأردنية، لا تذكر اسم فلسطين مطلقا”.

وزادت العتوم “كانت القفزة مهولة في مناهج 2010 إلى 2015 واستمرت حتى عام 2021، وبالمقارنة مع المناهج قبل 2010، وتصل إلى ما يزيد عن 75 بالمئة من التغييب للقضية الفلسطينية”.

وقالت “في فترتَي النيابية والنقابية، قدمت ثلاث دراسات، وكان التقرير الأول حول مراجعة الكتب، والمحاور التي بدأ الحديث عنها من الآيات والأحاديث، وكان التقرير الأول مكونًا من 900 صفحة، والثاني 600 صفحة والثالث 400 صفحة، والرابع ما زلنا نعمل عليه وهو أكثر زخمًا”.

وأكدت عرض الثلاث دراسات تحت قبة البرلمان، وفي قاعات الاجتماعات النيابية، وأنها طرحت أسئلة نيابية واستجوابات للحكومة، و”لم نجد ذلك التفاعل الكبير على أرض الواقع”.

من جهته، قال الخبير الأردني بالمناهج التعليمية أحمد عبداللطيف، إن “الحديث يطول، فما بين أيدينا يقارب 192 كتابًا منهجيًا للصفوف المدرسية، ملأى بالملاحظات”.

وأضاف أن “الحضور لفلسطين موجود في المناهج التعليمية الأردنية، ولكن بنسبة 30 في المئة مما كان سابقًا، بالإضافة لتفريغ المحتوى من قيمته بشكل متعمد، ولو ذكر مسمى فلسطين”.

وأوضح: “على سبيل المثال كان في درس الأرض المباركة، سؤال كيف نحرر المسجد الأقصى؟ وفي الطبعات التالية حذف السؤال”.

وأشار إلى ذكر أسماء الدول المجاورة للأردن في الخرائط الجغرافية باستثناء فلسطين عليها، وقال “أصدرت وزارة التربية والتعليم بيانًا بعدم حذفه، وأن المركز الجغرافي الملكي بعثها لهم على هذا النحو، وبدوره رد المركز ببيان أنه لم تتم مخاطبته من الوزارة أساسًا، ولو أبلغونا بحاجتهم لخرائط لبعثنا لهم خرائط عليها اسم فلسطين”.

رفع صورة الأقصى عن كتب التربية الإسلامية

وأضاف عبداللطيف لـ”قدس برس” على إثر ذلك، “قمت بالبحث في كتب الجغرافيا للصفوف من السادس للعاشر الأساسي، ووجدت 27 خريطة، منها 15 خريطة لم يذكر عليها اسم فلسطين، وقد ذكرت أسماء الدول البعيدة عن الأردن مثل اليونان ولبنان وتركيا”.

وأكد أنه “يتم تقليص حضور فلسطين سنويًا في المناهج التعليمية، حتى نصل فيما بعد إلى أجيال لا تعرف القدس ولا الأقصى ولا فلسطين، إلا كلمات عابرة بلا تاريخ ولا جغرافيا ولا شعور بهم التحرير لأرض محتلة”.

وأوضح “كان في الماضي صورة للمسجد الأقصى على كتب التربية الإسلامية، وحاليًا توضع صور كرتونية لمساجد، وهي أقرب لمباني والت ديزني أو المعابد البوذية”.

حذف درس القدس في وجدان الهاشميين

وتابع: “اطلعت على مناهج الصفوف الثانوية، فوجدت حذف درس عن قرية ضانا الكائنة في محافظة الطفيلة الأردنية، والدرس عبارة عن قصيدة للشاعر محمود الشلبي، يتغزل بها بأطلال الفتوحات الإسلامية التي مرت على ضانا، كما يتغزل بالصحابة والتوأمة بين الأردن وفلسطين، وإرسال زيت الطفيلة لقناديل المسجد الأقصى، وحذفت القصيدة ووضع مكانها قصيدة عن الغربة لسفير أردني سابق”.

وأشار إلى حذف درس “القدس في وجدان الهاشميين”، بشكل غير مباشر من كتاب الثانوية العامة المشترك بين كافة الفروع، وفيه مقولة الشريف الحسين بن علي “إذا أهينت قرية من قرى فلسطين كأنه اعتدي على المسجد الحرام”، ويقول الدرس ذاته: “كيف إذا كان الاعتداء على كل فلسطين؟” كما حذفت بنفس الطريقة مقولات الملك عبدالله الأول بن الحسين وأنه استشهد على أسوار القدس”.

وبيّن أن “الحذف بطريقة غير مباشرة تم بجعل هذا الدرس استماع وليس قراءة وتحليل وتدريبات، ومن المعلوم أن درس الاستماع في المنهاج تقلب صفحته، ولا يقرأ من أغلب المدرسين”.

تجاوب رسمي سيّئ

وأوضح عبد اللطيف أن “في أحد الدروس تجد صورًا لتقزيم الخارطة الفلسطينية مرورًا بمراحل الاحتلال حتى وصلت إلى الضفة وغزة، ويكون التعليق بالمنهاج “كيف أصبحت الدولة اليهودية؟”، وهنا تمرير لوصف “الدولة” والأصل أن يكون “الكيان”، وبذلك يحتل الطالب ومصطلحاته مستقبلًا.

وبيّن أن “التجاوب الرسمي سيئ”، وأنه “عرض الملاحظات حول المناهج على أعلى سلطة في وزارة التربية، وأقرت بوجودها، ولكن التعديل والإعادة كان بنظر يسير”.

ووقع حكومتا الأردن والاحتلال الإسرائيلي معاهدة سلام في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وتعرف باسم “معاهدة وادي عربة”، نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه.

يشار إلى أن الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر، تطبع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي.

Source: Quds Press International News Agency