29 عاماً على الإبعاد إلى “مرج الزهور”.. كيف خرجت “حماس” منتصرة؟

لم يكن يوم 17 كانون أول/ديسمبر 1992، يومًا عاديًا في تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث أقدمت سلطات الاحتلال على إبعاد 415 قياديًا بارزًا في حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي، إلى بلدة مرج الزهور جنوب لبنان.

وجاءت عملية الإبعاد الجماعي إثر تنفيذ “كتائب القسام” الذراع العسكري لحركة المقامة الإسلامية “حماس” لعملية أسر الضابط الإسرائيلي “نسيم طوليدانو” ومطالبتها بإطلاق سراح زعيم ومؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، مقابل الإفراج عنه، محددين مهملة لذلك، ليتم العثور على جثمانه مقتولاً بعد انتهاء المهلة دون إطلاق سراح الشيخ ياسين.

وقال الباحث في الشأن الفلسطيني، أسامة سعد، إن الاحتلال سعى من خلال عملية الإبعاد “إلى القضاء على حركة حماس، خصوصًا أن عدداً كبيراً من قياداتها وكوادرها كانت رهن الاعتقال.

وأضاف لـ”قدس برس” أن محاولات الاحتلال خابت، وتمكنت الحركة عبر قياداتها الشبابية من اجتياز المرحلة بكل كفاءة.

مهرجان إعلامي وخبرات وقيادات جديدة

ولفت سعد أن “حماس حولت عملية الإبعاد إلى أكبر مهرجان إعلامي لها، حيث رُصدت العملية مختلف من قبل وسائل الإعلام العالمية، التي أجرت مقابلات مع قيادة الحركة على مدار أكثر من عام؛ ما نقلها من المحلية إلى العالمية”.

ورأى أن عملية الإبعاد أهّلت قيادة “حماس” المبعدة للاطلاع على كثير من الخبرات، وذلك من خلال الالتقاء بكافة الشرائح التنظيمية والفعاليات الرسمية والشعبية في الخارج، حيث تحول مخيم الإبعاد بمرج الزهور إلى مزار لكل الأحرار في العالم.

وتابع سعد: “ساهم الإبعاد في رفع الروح المعنوية بشكل كبير للشعب الفلسطيني، على عكس ما كان يخطط له الاحتلال، وتمثل ذلك في التضامن الشعبي والرسمي العربي مع قضية المبعدين والمعتقلين”.

وعلى الصعيد التنظيمي الداخلي؛ أكد الباحث أن “عملية الإبعاد أدت إلى بروز قيادة شبابية واعدة، قادت حركة حماس فيما بعد، مكتسبة الخبرة من صعوبة العمل في ظل الاحتلال، وغياب القيادات التاريخية”.

واعتبر سعد أن عملية الإبعاد مهدت الطريق لحركة “حماس” لتولي قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، “من خلال مشروع المقاومة الذي تبنته، ودفعت لأجله ثمناً كبيراً”.

إغلاق ملف الإبعاد

من جهته؛ قال الكاتب والمحلل السياسي، إياد حمدان، إن حركة “حماس” نجحت في إغلاق ملف الإبعاد إلى خارج فسلطين “حينما تمترس قادتها، برفقة قيادات من حركة الجهاد الإسلامي، في مخيم مرج الزهور، ورفضوا مغادرته إلا إلى فلسطين”.

وأضاف حمدان لـ”قدس برس” أن “قرار الإبعاد أظهر مدى إجرام حكومة الاحتلال في التعامل مع الانتفاضة التي كانت في أوجها، وسعيها بكل الطرق للقضاء عليها”.

ولفت إلى أن توقيت عملية الإبعاد كان صعباً من حيث شدة البرودة في مخيم مرج الزهور، إذ كانت تصل درجة الحرارة إلى الصفر أحيانًا، موضحاً أن الاحتلال تعمد ذلك بهدف “دفع المبعدين إلى القبول بأي عرض، ومغادرة المكان إنقاذاً لحياتهم”.

وتابع حمدان: “بعد مرور شهر صمود المبعدين وثباتهم في مخيم مرج الزهور، وتنظيم أمورهم الحياتية والمعيشية، وتوزيع الأدوار، وتعيين ناطق رسمي باسمهم، وتشكيل لجان؛ أدرك الاحتلال أن هؤلاء القادة لن يغادروا المخيم إلا إلى الأرض التي أُخرجوا منها، وبالفعل كان لهم ما أرادوا”.

وأكد حمدان أن “الإبعاد أظهر قوة التنظيم الهرمي العنقودي لحركة حماس”، مشيرًا إلى أن “هذه الفترة شهدت أكثر الفترات قوة للعمليات الفدائية للحركة، والتي تمثلت في حرب العصابات التي قادها الشهيد عماد عقل ورفاقه آنذاك”.

وأوضح أن “عملية الإبعاد كانت فرصة لالتقاء قادة حماس في الضفة وغزة لأول مرة، والعيش سوياً في مكان واحد، ورفع مستوى التنسيق والانسجام بينهم”.

“حماس” تعلق

من جانبه؛ قال الناطق باسم حركة “حماس” فوزي برهوم، إن “الاحتلال الصهيوني ظنّ بعملية الإبعاد أنه سوف يقتل روح الثورة والمقاومة لدى شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاوِمة، والقضاء على انتفاضة الحجارة التي رسمت معالم المرحلة وغيرت مسار الصراع معه”.

وأضاف في تصريح صحفي تلقته “قدس برس” اليوم الجمعة، أن “مرج الزهور كانت حدثا كبيرا شكلت فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي محطة مهمة، وعلامة فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، ورسمتا بالصمود والثبات والإصرار على العودة والانتصار للحق الفلسطيني، مشهداً جديداً من مشاهد القضية الفلسطينية في تحشيد الأمة، وكيفية إدارة المعارك والصراع مع الاحتلال، وفرض المعادلات عليه”.

وراهن الاحتلال على مدار سنة كاملة، على قبول المبعدين بالواقع الذي سعى لفرضه، إلا أنهم نجحوا في كسر قرار الإبعاد، ووأد هذه السياسة في مهدها، حيث وافق الاحتلال في أيلول/سبتمبر 1993 على عودة 189 مبعداً إلى ديارهم، فيما عاد الباقون في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.

Source: Quds Press International News Agency