92 عاماً على إعدام “شهداء ثورة البراق”

“إذا كان إعدامنا نحن الثلاثة يزعزع شيئًا من كابوس الإنجليز على الأمة العربية الكريمة، فليحل الإعدام في عشرات الألوف مثلنا لكي يزول هذا الكابوس عنا تمامًا”.. بهذه الحروف الأصيلة كتب الشهيد فؤاد حجازي كلمة قُبيل إعدامه وبطلين آخرين، على يد سلطات الاستعمار البريطاني، في 17 حزيران عام 1930.

توافق اليوم ذكرى إعدام الأبطال الثلاثة، أو كما يطلق عليهم “شهداء ثورة البراق”، في سجن عكا، فؤاد حجازي (من صفد) ومحمد جمجوم وعطا الزير (من الخليل)، ليصبحوا منذ ذلك اليوم عنوانًا للصمود الوطني في فلسطين.

وثورة البراق هو الاسم الذي أطلقه الفلسطينيون على اشتباكات عنيفة اندلعت في مدينة القدس في 9 آب/ أغسطس 1929، أيام الاستعمار البريطاني لفلسطين، وامتدت بعد أيام لمدن فلسطينية أخرى.

ويعتبر حائط البراق وقفًا إسلاميًا، وإبان فترة الحكم العثماني سُمح لليهود بإقامة طقوسهم قبالة الحائط، لكن مع مرور الزمن؛ ادعوا أن حائط البراق من بقايا “الهيكل” المزعوم.

الحكاية بدأت في 14 من شهر آب/ أغسطس عام 1929، حين نظم عشرات المستوطنين اليهود مظاهرة بمناسبة ما يسمى “ذكرى تدمير الهيكل”، أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة ثانية جابت شوارع القدس، حتى وصلت الى حائط البراق، وهناك رفعوا علم الحركة الصهيونية، شاتمين بهتافاتهم الفلسطينيين والمسلمين.

أما في اليوم الثالث للمظاهرة، والموافق للـ16 من آب/ أغسطس، والذي صادف يوم الجمعة، وذكرى المولد النبوي الشريف، توافد المسلمون من كل مكان للدفاع عن حائط البراق، الذي أراد المستوطنون الاستيلاء عليه.

وسجّل ذاك التاريخ مواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين، ارتقى على إثرها شهداء، وسقط جرحى كثر، لتعم الثورة أنحاء فلسطين كافة، من يافا وعكا إلى حيفا واللد والرملة والقدس وبقية فلسطين.

وعلى الرغم من أن المستوطنين هم من اعتدوا على الفلسطينيين، إلا أن شرطة الاستعمار البريطاني اعتقلت، في ذلك اليوم، 26 شابًا فلسطينيًا ممن شاركوا في الثورة، وفي الدفاع عن حائط البراق، وأصدرت بحقهم أحكام بالإعدام.

لاحقًا، خففت سلطات الاستعمار الحكم عن 23 ممن اعتقلتهم إلى السجن المؤبد، فيما أبقت حكم الإعدام بحق الأبطال الثلاثة، حجازي وجمجوم والزير.

وفي يوم 17 حزيران/ يونيو 1930، كان “شهداء ثورة البراق” على موعد مع حكم الإعدام، إذ تقدموا وابتسامات الانتصار تعلو وجوههم، فما أرهبهم الموت، ولا أخافهم حبل المشنقة؛ بل تسابقوا على التقدم إلى منصة الإعدام.

وكان من سبق في الإعدام أولاً هو الشهيد فؤاد حجازي، والذي كان أصغر المحكومين سنًا، وقال في رسالة له أثناء استقباله زائرين قبل ساعات من تنفيذ حكم الإعدام: “البكاء والصراخ ممنوع قطعيًا، لأنني لم أكن أرضاها في حياتي، خاصة تمزيق الثياب، تجب الزغردة والغناء (…)، إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج”.

وأورد الشهيد حجازي في رسالته: “يجب إقامة الفرح في يوم 17 حزيران/ يونيو من كل سنة (…)، إن هذا اليوم يجب أن يكون يومًا تاريخيًا، تُلقى فيه الخطب وتُنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية”.

أما الشهيد محمد جمجوم، فكتب “الحمد لله أننا – نحن الذين لا أهمية لنا – نذهب فداءً للوطن، وليس أولئك الرجال الذين يحتاج الوطن إلى جهودهم وخدماتهم”.

فيما طلب الشهيد عطا الزير، في يوم إعدامه، حنّاء ليخضب بها يديه (على عادة أهل الخليل في أعراسهم وأفراحهم)، وعندما قاده الإنجليزيون إلى منصة الإعدام؛ طلب أن تُفَك قيوده، فرفض طلبه، وعندها حطم الزير السلاسل بقوة عضلاته، وتقدم نحو المشنقة رافعاً رأسه مبتسماً.

أُعدم الأبطال الثلاثة، مسجلين بدمائهم حدثًا مفصليًا في تاريخ الثورة الفلسطينية، دفاعًا عن المسجد الأقصى المبارك، حدثٌ لا يقل عزمًا وإصرارًا عن الانتفاضات الفلسطينية التي انطلقت في وجه الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، ولن تتوقف حتى دحره عن التراب الفلسطيني.

ومن نتائج أحداث “ثورة البراق”، التي امتدت من الخليل وبئر السبع جنوبًا حتى صفد شمالاً، 116 شهيدًا فلسطينيًا و133 قتيلاً يهوديًا، و232 جريحًا فلسطينيًا و339 جريحاً يهوديًا.

Source: Quds Press International News Agency