الضيف.. 3 عقود من المطاردة وقيادة أركان المقاومة باقتدار

باتت الدولة العبرية على قناعة، أنها لن تتمكن من اغتيال القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، محمد الضيف، وذلك بعد أن فشلت عشرات المرات في ذلك، منذ بدأت مطاردته قبل 3 عقود.

أصبح “الضيف” (56 عاما) شبحًا، لا تعرف المخابرات الإسرائيلية أي اثر له، رغم أنها حاولت اغتياله، ووضعته على رأس المطلوبين لها، ليصبح أسطورة للشعب الفلسطيني، يتغنى به الكبير والصغير.

فلسطين الهدف

“الضيف” الذي ذكر اسمه كثيرا في تقارير المخابرات الإسرائيلية، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث اعترفت الدولة العبرية أنها فشلت في اغتياله 3 مرات، لم يتخرج من أي كلية عسكرية، ولم يأخذ دورات عسكرية مكثفة في دول عظمى، بل خرج من أزقة مخيم خان يونس للاجئين (جنوب غزة)، ووضع نصب عينه تحرير فلسطين، ليصبح من اخطر الشخصيات والرجال الذين طاردتهم الدولة العبرية على مدار تاريخها، لتصفه بأنه “شبح ذو 9 أرواح”.

ولد الضيف عام 1965، في مدينة خان يونس (جنوب غزة)، وانضم إلى حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، منذ نعومة أظفاره، وكان عنصرا نشيطا فيها وشارك في فعاليات الانتفاضة الكبرى التي اندلعت نهاية عام 1987.

“الضيف” أسيرًا

اعتقلت قوات الاحتلال، محمد الضيف، في إطار الضربة الأولى التي وجهتها الدولة العبرية لحركة “حماس” في أيار/ مايو 1989، بتهمة الانضمام إلى الجناح العسكري للحركة الذي كان الشيخ صلاح شحادة (استشهد في 23 تموز/ يوليو 2002) قد أسسه، وكان يحمل اسم “حماس المجاهدين”، قبل أن يطلق عليه اسم “كتائب القسام”، ليقضي في السجن عامًا ونصف.

أفرجت السلطات الإسرائيلية عام 1991 عن الضيف؛ ليلتحق بالمجموعات الأولى لـ”كتائب القسام”، بعد أن أعيد تشكيل الجهاز العسكري، وذلك من خلال مجموعة خان يونس والتي كان من ضمن أعضائها الشهيدين، ياسر النمروطي وجميل وادي، والأسير حسن سلامة، وغيرهم من المقاومين.

أطول رحلة مطاردة

وبعد مشاركة الضيف في تنفيذ العديد من العمليات الفدائية والاشتباك مع قوات الاحتلال، أصبح مطلوبا لقوات الاحتلال؛ لتبدأ رحلة أطول مطاردة في التاريخ الفلسطيني، في مساحة جغرافية صغيرة وضيقة، إلا انه استطاع خلال هذه الفترة، ومن خلال إتقانه للتخفي وعدم البقاء في مكان واحد لفترة طويلة، أن لا يقع في قبضة قوات الاحتلال.

استئناف النشاط

وبرز دور الضيف بعد اغتيال الشهيد عماد عقل، الذي برز اسمه في سلسلة عمليات فدائية، نفذت في تشرين الثاني/ نوفمبر 1993، حيث أوكلت إليه قيادة “كتائب القسام”.

عاش الضيف ورفاقه المطارَدين من “كتائب القسام”، والذين زاد عددهم عن 15 مطاردا، فترة صعبة من حياتهم، حيث قرر عدد منهم مغادرة القطاع بعد اشتداد الحصار عليهم دون توفير السلاح، إلا أن الضيف رفض هذا الأمر بشد وأصر أن يبقى في غزة.

وتمكن الضيف خلال هذه الفترة من التخطيط، وتنفيذ عدة عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال، وكذلك تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية المحتلة، وتشكيل العديد من الخلايا الفدائية هناك، والمشاركة في تنفيذ عمدة عمليات فدائية في مدينة الخليل، والعودة إلى قطاع غزة.

وكان له الدور الكبير في التخطيط لعملية خطف الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان عام 1994، في بلدة بير نبالا قرب القدس، والذي قتل وخاطفيه بعد كشف مكانهم.

وظهر الضيف وهو يحمل بندقية وبطاقة هوية فاكسمان التي هرّبت من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث كان ملثما بالكوفية الحمراء، وذلك من أجل التمويه على الاحتلال، وتخفيف الملاحقة في الضفة، وتوجيه الاحتلال نحو غزة.

كما استطاع أن يجيء بالمهندس يحيى عياش، أحد أبرز خبراء المتفجرات في الضفة الغربية إلى قطاع غزة، بعد تضيق الخناق عليه هناك، وللاستفادة من خبرته في صناعة المتفجرات، والذي تم اغتياله بواسطة هاتف مفخخ مطلع عام 1996.

كان اغتيال عياش لحظة فارقة في حياة الضيف، حيث أصر على الثأر لاغتيال عياش، رغم وجود السلطة الفلسطينية في غزة والضفة، ووقف وراء عمليات الثأر لعياش، من خلال إرسال حسن سلامة إلى الضفة الغربية للإشراف عليها، حيث قتل في هذه العمليات الفدائية، حوالي ستين إسرائيليًا، وأصيب المئات في أكبر سلسلة عمليات فدائية، تعرضت لها الدولة العبرية في تاريخها.

توارى الضيف كليا عن الأنظار بعد تنفيذ عمليات الثأر لعياش في ربيع عام 1996، حيث شنت السلطة عملية ملاحقة له في إطار الضربة الكبيرة التي وجهتها لحركة “حماس”، واعتقلت المئات من قادتها وعناصرها.

سجينًا لدى السلطة

واستطاعت بعد ذلك السلطة اعتقال الضيف بحجة أنها تريد حمايته من القصف الإسرائيلي، حيث سمحت السلطة آنذاك لمحققين من جهاز المخابرات الأمريكي “السي أي ايه”، بلتحقيق معه ليبقى في السجن أكثر من سنتين .

وتمكن الضيف فيما بعد من الفرار من سجن الأمن الوقائي بغزة؛ ليعاود محاولات تشكيل خلايا القسام من جديد، بعد مصادرة سلاحهم وذخائرهم، حيث بدأ بالاستعداد لتنفيذ المزيد من العمليات، حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في أيلول/سبتمبر 2000.

خرج الضيف ورفاقه من سجون السلطة الفلسطينية، ولم يعودوا إلى منازلهم، بل أخذوا مواقعهم على مناطق التماس مع الاحتلال؛ ليشرعوا في تنفيذ عمليات فدائية كبرى، تطورت مع تطور الانتفاضة، دون أن يعرف احد أن هذه العمليات من صنع “كتائب القسام”، لعلمهم أن الضيف ورفاقه في السجن، إلى أن تبنتها الكتائب في بيان رسمي لاحقا، ومع استشهاد احد قادة الكتائب في إحدى هذه العمليات، وهو الشهيد عوض سلمي.

قائد ثم جندي

ومع إفراج سلطات الاحتلال عن الشيخ صلاح شحادة عام 2001، سلّم الضيف الشيخ شحادة قيادة الجهاز العسكري له، حيث كلف شحادة الضيف بالمسؤولية عن الصناعات العسكرية للكتائب والتي طورها وأبدع فيها، لا سيما مديات الصواريخ وتغطيتها كل فلسطين.

وبعد عام من اندلاع انتفاضة الأقصى، تعرض الضيف لمحاولة الاغتيال الأولى، حيث كان برفقة عدنان الغول خبير المتفجرات في “القسام” ونجله بلال، حيث أطلقت عليهم طائرة إسرائيلية صاروخا في بلدة جحر الديك (جنوب شرق غزة) وقد نجيا من الاغتيال بأعجوبة بعد استشهاد بلال في القصف.

وبعد استشهاد شحادة في صيف عام 2002، كلّفت “حماس” الضيف بقيادة الجهاز العسكري؛ لتبدأ مرحلة جديدة من التطوير، وذلك من خلال تحويل مجموعات “كتائب القسام” إلى جيش شبه نظامي.

محاولة الاغتيال الثانية

وفي 26 أيلول/سبتمبر 2020، وبعد استشهاد شحادة بثلاثة أشهر، نجا الضيف من عملية اغتيال ثانية بعد قصف السيارة التي كانت تقله في حي الشيخ رضوان، حيث استشهد مرافقاه وأصيب بجراح خطيرة للغاية، فقد على إثرها إحدى عينيه ليظهر على شاشات التلفاز وهو مصاب، وبعد أن أعلنت “إسرائيل” أنها قتلت الضيف، تفجأت بأن الضربة المباشرة بصاروخين للسيارة التي كان بها لم تقتله.

وبعد توارد المعلومات عن أن الضيف لم يقتل في هذه الضربة، قررت “إسرائيل” تتبعه داخل غرفة العمليات في مجمع الشفاء بغزة؛ لتوجه ضربة ثانية له من أجل القضاء عليه، إلا أن “كتائب القسام” أخرجته من المشفى في مناورة كبيرة، إلى مكان آمن.

وكانت مصادر فلسطينية تحدثت عن تعرض الضيف لمحاولة اغتيال ثالثة في قصف أحد المنازل في صيف 2006، خلال العملية العسكرية الإسرائيلية بعد خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، حيث قيل أن الضيف أصيب بجراح خطيرة، دون أن يؤكد ذلك من قبل “كتائب القسام”.

قائد أركان المقاومة

واصل الضيف قيادة “كتائب القسام” باقتدار؛ ليصبح لاحقا قائد أركان المقاومة، حيث قاد القتال خلال حرب 2008-2009، وكذلك حرب عام ،2012 بعد اغتيال أحد مساعديه أحمد الجعبري؛ لتضرب المقاومة أول مرة “تل أبيب”، وقد وجه خلال هذا العدوان خطابا كان سببا في وقف العدوان.

وخلال قيادته للمقاومة في حرب عام 2014، حاول الاحتلال اغتياله عدة مرات، كان أشهرها حينما قصف منزل عائلة الدلو في مدينة غزة في 19 آب / أغسطس؛ لتستشهد زوجته ونجله الأصغر علي، وامرأة ونجلها من عائلة الدلو.

ويتحلى الضيف بحسب من عايشوه، بالعديد من الصفات القيادية: كالهدوء والصبر والإيمان الشديد، والحرص البالغ الذي أبقاه حتى الآن حراً طليقًا، دون أن ينال منه الاحتلال.

كما أنه لا يعرف الترف، ولا يهوى غير البساطة، ولا يعشق غير الصلاة وتلاوة القرآن، حسب ما ينقل عن مقربين منه.

عايش الضيف خلال عمله وقيادته لـ”كتائب القسام”، أجيالًا عديدة من الشباب، وعددًا كبيرًا من القادة الذين قضوا نحبهم، وقادة موجودن في السجون، وبعض منهم ما يزالون يرافقونه.

وقد تطورت قدرات “كتائب القسام” خلال قيادة الضيف بشكل كبير وسريع، لا سيما في مجال الصناعات العسكرية في صناعة القنابل والعبوات الناسفة والصواريخ وتطويرها، وكذلك العمليات الفدائية في الاقتحامات وتفجير الحافلات وحفر الأنفاق وإرسال طائرات بدون طيار، ووحدات البحرية والسايبر وغيرها.

وما تزال المخابرات الإسرائيلية، تبحث عن طرف خيط عن هذا القائد، من أجل تتبعه واغتياله، إلا أن احتياطاته الأمنية العالية، وتضييق دائرة معارفه، وعدم ظهوره، جعل من مهمة تعقبه أمرًا صعبًا.

Source: Quds Press International News Agency

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *