“الإصلاح العشائري” في فلسطين .. تعزيز لسيادة القانون أم تجاوز عليه؟

بالتزامن مع نشوء أي مشكلة عائلية كبيرة، على خلفية القتل أو الأخذ بالثأر، يعود الحديث مجددا حول دور العشائر في فلسطين وخاصة في محافظة الخليل، وعن هذا الدور المتعاظم وإيجابياته وسلبياته على حياة المجتمع الفلسطيني.

ثقة المواطنين ترتفع بدور العشائر

وأظهر تقرير أصدرته الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم” في فلسطين، حول دور الإصلاح العشائري، ارتفاع ثقة جمهور المواطنين به على حساب الوسائل الرسمية الأخرى لحل النزاعات، لا سيما المحاكم.

واستندت الهيئة في تقريرها على أحدث استطلاعات الرأي الرسمية، والتي ذكرت أن ما معدله 43 في المئة من المجتمع الفلسطيني على ثقة بجهات العدالة غير الرسمية، في دعم وتعزيز سيادة القانون في الأراضي الفلسطينية.

وكشفت تلك النتائج، عن تفضيل الجمهور الفلسطيني تدخل القضاء العشائري في حل النزاعات كجهة ثانية بعد المحاكم، باعتباره “أسرع وأكثر عدلاً بنسبة وصلت إلى 73 في المئة، في الضفة الغربية، و88 في المئة في قطاع غزة.

وخلص التقرير الذي حصلت “قدس برس” على نسخة منه، إلى أن الإصلاح العشائري الذي يحظى ممثلوه بدعم واضح من السلطات الرسمية الفلسطينية لا سيما السلطة التنفيذية، لا يقتصر فقط على الإصلاح وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين وفق ما تقتضيه تسميته على الأقل.

وصدر عن “قضاة الإصلاح العشائري”، الأحكام ذات الصبغة القضائية الملزمة لأطراف القضية، والتي تتأثر بحسب التقرير، بعدة عوامل “لا تراعي مبدأ المساواة وعدم التمييز”.

وأشار التقرير إلى أن الدور “القضائي” الذي يقوم به الإصلاح العشائري، والإجراءات التي يتبعها رجال الإصلاح، والعقوبات أو الحلول التي يفرضونها، لا تمثل فقط “انتهاكات لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية”، بل تجعل من هذا النظام “ما يتعارض جوهرياً مع مفهوم الدولة الحديثة ذات السيادة”.

وبين التقرير وجود تناقض واضح في خطاب السلطات الفلسطينية تجاه الإصلاح العشائري، فهي من جهة “تتبنى قوانين وسياسات قائمة على مبادئ دولة القانون بمضامينها المختلفة، ومن جهة أخرى تدعم بوسائل عدة الحلول العشائرية، وتؤمن بقدراتها في حفظ السلم الأهلي تحت العديد من المبررات أهمها، تلك المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي والتي توقف عندها التقرير بروية”.

وأوصى التقرير المؤسسات الرسمية، بضرورة اتخاذ السلطات القضائية وأجهزة إنفاذ القانون موقفاً حازماً من عقوبة الترحيل أو الجلوة، ومن أي إجراءات أو عقوبات أخرى يتخذها أو يفرضها الإصلاح العشائري، و”تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان بما فيها ما يسمى بفورة الدم”.

وختم التقرير بضرورة أن تعمل المحاكم والمحافظات على مراجعة الحلول العشائرية، من أجل ضمان خلوها من أي تعارض مع القانون الوطني، ومن أي انتهاك لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

النظام العشائري يفرض عقوبات جماعية

بدوره، قال الناشط الحقوقي بلال الملاح إن سيادة القانون “يجب أن تكون الأساس، وفكرتها مستمدة من مبدأ حقوق الإنسان، وتعني أن كل شخص مسؤول عن أفعاله، ولا علاقة لعائلته بهذه الأفعال”.

ويضيف الملاح لـ”قدس برس”: “النظام العشائري يفرض عقوبات جماعية على كل العائلة في قضايا كثيرة، مثل قضية الدم، والتي تشهد ترحيل لكل أو بعض أفراد العائلة، وهذا مناف لحقوق الإنسان”.

ودعا إلى إحداث تغيير لدى العائلات؛ لدفعها للتوجه للقضاء والقانون في حل مشاكلها، ورأى أن نظام العشائر يكبر ويتمدد على حساب القانون، متهما بعض الأشخاص “بتحقيق مصالح شخصية، من النظام العشائري”.

لسنا بديلا لأحد

من جانبه، قال عميد الإصلاح في محافظة الخليل السيد عبد الوهاب غيث، أنه “عند غياب سلطة القانون والقضاء، ويصبح الأمر على وشك الفلتان والفوضى، يتدخل رجال الإصلاح والعشائر لحل المشاكل والاصلاح بين المتخاصمين”.

ويضيف غيث: “الناس لجأت إلى العشائر التي تثق بها، بسبب غياب دور السلطة”، واصفا الجسم القضائي، أنه “ضعيف الإمكانات في حل الإشكاليات وفض الخلافات وترحيل القضايا”.

ويعتقد أن هذه المعطيات، تزيد من حاجة الناس إلى “جسم كامل إضافي، للعمل بشكل صحيح على حل مشاكل المواطنين بأسرع وقت، دون تأجيل، وتسهيل أمورهم”.

ويؤكد غيث: “نحن لا نسعى لأن نكون بديلا لأحد أو عن أي أحد، وضعف القضاء والقانون، يفرض علينا التدخل لحل المشاكل، خاصة قضايا القتل والدم، لأننا لو لم نتدخل لأصبحت الأمور كارثية”، على حد قوله.

Source: Quds Press International News Agency

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *