هل تضع مذكرة التفاهم الدفاعي المغرب تحت “الوصاية الأمنية الإسرائيلية”؟

تطرح مذكرة التفاهم الدفاعي بين المملكة المغربية و”إسرائيل” التي وقع عليها في الرباط، الأربعاء الماضي في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بحضور وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، جملة من تساؤلات جدية حول دوافع المملكة المغربية للتوقيع على المذكرة الدفاعية مع “إسرائيل”، وعدم الاكتفاء بعلاقات دبلوماسية واقتصادية؟

هل عجزُ المملكة عن حماية أمنها واستقراراها الداخلي، يدفعها لتوقيع اتفاقية دفاعية مع “إسرائيل”؛ أم أن شعورها بتهديد خارجي يقف خلف هذه المذكرة؟ هل ستوفر الاتفاقية الأمن للمملكة المغربية؛ أم ستفاقم أزماتها الأمنية؟

وهل سيشارك الجيش الإسرائيلي في الهجمات على “البوليساريو” والحروب المحتملة مع الجزائر وموريتانيا؛ وهل سيهاجم إسبانيا لاستعادة “سبتة” و”مليلة” للمغرب. في المقابل، هل سيشارك الجيش المغربي في الهجمات الجوية والعسكرية على الفلسطينيين في قطاع غزة ولبنان وغيرها من الأماكن؟

إنها أسئلة تستحق النقاش، فالاتفاق بين المغرب و”إسرائيل” دفاعي عسكري، وليس اقتصادياً دبلوماسياً، ليس “اتفاق سلام” بل اتفاق للحرب؛ فتح الباب للعديد من الاحتمالات والتوقعات الخطيرة، فالاتفاق يحتاج لفهم وتفسير؛ خصوصاً بعد إعلان الولايات المتحدة عن مناورات وتدريبات مشتركة مع “إسرائيل” والمغرب دون أن تحدد أهدافها وغاياتها.

الموساد والمخزن

الشراكة الأمنية الإسرائيلية المغربية لا تعد جديدة؛ فجذورها تعود إلى ستينيات القرن الماضي؛ عبّر عنها بالشراكة القوية بين المخزن في عهد الملك الحسن الثاني وجهاز الموساد الإسرائيلي، الذي قدم العديد من الخدمات للملك الراحل الحسن الثاني، عقب توليه الحكم إثر وفاة والده محمد الخامس؛ فالأنظمة السياسية الضعيفة، وفّرت بيئة خصبة لنشاط “إسرائيل” مكّنها من تحقيق اختراقات عميقة وخطيرة لهياكل وبنى النظم السياسية وهياكلها السيادية.

فأوجه التعاون بين الموساد والمخزن المغربي في الستينيات تركزت على تثبيت حكم الملك الشاب في حينها الحسن الثاني، مستهدفاً المعارضين المغاربة، خصوصاً اليسار، وعلى رأسهم المهدي بن بركة.

ورغم أن الاختراق الإسرائيلي للأجهزة الأمنية المغرببة وللدولة بكافة أجهزتها السيادية قديم، لكنه متجدد وحيوي؛ عكسته التطورات التكنولوجية عبر برمجية “بيغاسوس” الخبيثة، التي قدمتها شركة “اي او اس” (iOS) الإسرائيلية للمملكة المغربية للتجسس على الخصوم والمعارضين. أمر نفته المغرب لاحقاً بسبب تداعياته القانونية على علاقتها بدول الجوار، بل وهددت بملاحقة الجهات التي روجت لهذا النوع من التعاون.

المخزن.. ومذكرة التفاهم الدفاعي

لم يصمد نفي الحكومة المغربية للتعاون الأمني مع “إسرائيل” طويلاً بعد توقيع مذكرة التفاهم الدفاعية المغربية، الأربعاء الماضي؛ فالمذكرة أكدت عمق التعاون الأمني بين المخزن المغربي والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية.

الاتفاق اختراق نوعي وكمي لـ”إسرائيل”، وفّر موطئ قدم للجيش الإسرائيلي في القارة الأفريقية؛ بعد أن اقتصر الأمر على الموساد والشركات الأمنية في بُعده المحلي بملاحقة المعارضين، انتقل للبُعد الإقليمي باستهداف القوى الإقليمية في القارة، وعلى رأسها الجزائر التي تحاول “إسرائيل” محاصرتها عبر تشاد ومالي وليبيا بالتحالف مع قوى إقليمية بعينها.

مذكرة التفاهم بين وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، ونظيره المغربي في الرباط، جاءت بعد تهديدات مبطنة وجهها وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد للجزائر خلال زيارته للعاصمة المغربية الرباط، قال فيها: “نحن نتشارك مع المملكة القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قرباً من إيران، وهي تشن حالياً حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب”.

استهداف الجزائر حقيقة أم خيال؟

استهداف الجزائر حقيقة وليس خيالاً، فهي القلعة الأخيرة والحصينة في مواجهة محاولات الاختراق الإسرائيلي للقارة الأفريقية؛ كان أبرزها تصدي الجزائر لمحاولات ضم “إسرائيل” للاتحاد الأفريقي بصفة “مراقب”؛ فالتقارب الأمني بين المغرب و”إسرائيل” تجاوز المعارضة الداخلية في المغرب، و تجاوز البوليساريو في الصحراء الغربية نحو استهدف أمن الجزائر؛ أمر أكدته تقارير حول نشاطات تجسسية قامت بها “إسرائيل” عبر برنامج “بيغاسوس” لصالح المملكة المغربية استهدفت مسؤوليين جزائريين.

“إسرائيل” بذلك سجلت اختراقاً عميقاً للساحة المغربية وشمال أفريقيا جوهرة محاصرة الجزائر؛ دفع رئيس مجلس الأمة الجزائري صلاح قوجيل الخميس الفائت إلى القول: إن “الأعداء يتجندون أكثر فأكثر لعرقلة مسار الجزائر”، مشدداً على أن بلاده “هي المستهدفة” بالزيارة التي أجراها غانتس للمغرب.

ورغم محاولات تجميل الصورة من خلال بيان الخارجية الأمريكية، التي أكدت أن التعاون الأمني المغربي الإسرائيلي، يستهدف ما سمتها “الجماعات الإرهابية والمتطرفة في منطقة الساحل والصحراء”، وأنه سيتوج بمناورات وتدريبات مشتركة تضم الجيش الأمريكي والإسرائيلي والمغربي؛ إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الإعلان عن أسفه لتوقيع الاتفاق بين المغرب و”إسرائيل”، خلال حديثه مع ممثلي وسائل إعلام محلية مساء الجمعة بالقول: “تهديد للجزائر من المغرب خزي وعار لم يحدث منذ العام 1948″.

المغرب و”الوصاية الإسرائيلية”

الاختراق الإسرائيلي لشمال أفريقيا بات حقيقة مقلقة، تفاقم اعتماد الممكلة المغربية على جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليرتهن أمنه بمصالح “إسرائيل” وأهدافها في القارة الأفريقية؛ غير أن المسألة الأكثر إثارة للقلق، تشير إلى أن توجه المغرب نحو “إسرائيل” قدم مؤشر ضعف داخل المملكة، فاقمه الاختلال البنيوي والهيكلي داخل مؤسسات الدولة، بما يسمح باختراق إسرائيلي عميق للدولة المغربية، التي يعاني ملكها من إشكالات صحية تتجدد بين الحين والآخر؛ فاتحاً الباب لوصاية سياسية وأمنية واقتصادية إسرائيلية على المملكة المغربية، بتعميق اعتمادها على “إسرائيل” أمنياً واقتصادياً.

إن إغراق شمال أفريقيا والساحل والصحراء بالأزمات والصراعات، مصلحة إسرائيلية تعزز وصايتها على أمن المملكة المغربية، وتوفر مناخاً مناسباً لحصار الجزائر في الوقت ذاته. وصاية لا يمكن استبعادها من الحسابات الإسرائيلية، إذ إنه كيان كولونيالي استعماري، ينظر للعالم العربي من منظور المستعمر المستوطن، فما المغرب في نظر قادة “إسرائيل” وزعمائها، سوى مستعمرة ومستوطنة جديدة تتوافر على إمكانات اقتصادية وسياسية واعدة، يمكن الاستثمار فيها عبر الوصاية الأمنية.

Source: Quds Press International News Agency

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *