ألقى “إعلان النوايا” بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، المزيد من المخاوف، بشأن مستقبل الوصاية الهاشمية على المقدسات، ودورها في الحد من الانتهاكات الإسرائيلية.
وفي 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقع الأردن والإمارات و”إسرائيل”، ما سُمي بـ”إعلان نوايا” للدخول في عملية تفاوضية للبحث في جدوى مشروع مشترك للطاقة والمياه.
وينص “إعلان النوايا” على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لمصلحة “إسرائيل”، بينما تعمل “تل أبيب” على تحلية المياه لمصلحة الأردن.
“تثبيت الحقوق”
ويرى المحلل السياسي الأردني رومان حداد، أن “الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية، تسعى بالأساس إلى تثبيت الحقوق، وهي معترف بها دوليًا”، لافتاً إلى أن “اختراق الصهاينة لها لا يعني أن الحق أصبح معهم، أو أنها في طريقها للإلغاء”.
وقال لـ”قدس برس” إن “الوصاية دفعت بقرارات أممية مهمة، من ضمنها الاعتراف من الأمم المتحدة بأن الحرم القدسي الشريف بأكمله للمسلمين”.
وشدد حداد على أن “الوصاية قرار دولي مهم لا يمكن تجاوزه، بتثبيت الحقوق على المستويين العربي والعالمي، ومنع أي محاولة لانتقاصها على أساس قانوني، لا سيما في هذه المرحلة الصعبة”.
وأضاف أن “علينا إدراك أن عدم الحضور الأردني على الأرض في الضفة الغربية أو القدس المحتلتين، يعني تعذر حماية الحرم بشكل مباشر”، مطالباً بـ”إيجاد قوات أممية، تحمي الحرم القدسي الشريف، وتصبح في مواجهة الصهاينة” وفق تقديره.
“الأردن مهم تاريخيًا واستراتيجيًا لدى الكيان”
وأشار حداد إلى أن “قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض، أعاد التحرك والتموضع في منطقة الشرق الأوسط، فالتحالف اليميني السابق بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، جمّد المنطقة لأربع سنوات، وخسارتاهما ساعدت على تحريك الأوضاع”.
وأكد أن “الأردن مهم تاريخيًا واستراتيجيًا لدى الكيان الصهيوني بحسب اعتقاد مفكري هذا الأخير، وعلاقته الحسنة مع الكيان، تصبّ في مصلحة عمان والقدس في كثير من المناحي”، على حد قوله.
وأوضح أن “إعلان النوايا بخصوص تبادل المياه والكهرباء، وزيارة وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس للأردن، يشيران إلى بدء التحركات لإعادة العلاقات بين الجانبين، ما قد يؤدي إلى تعزيز حالة الوصاية وتقليل الانتهاكات”.
وبخصوص إمكانية سحب الوصاية من الأردن؛ قال حداد: “لا أعتقد أن أي دولة تستطيع ذلك، وحين كان هنالك دول عربية تريد الذهاب باتجاه صفقة القرن، لتصفية القضية الفلسطينية؛ وقفت المملكة في وجه الصفقة، رغم ضعفها اقتصاديًا وسياسيًا”.
“الوصاية ملف وجودي لدى الملك”
وقال حداد: “تعتبر القضية الفلسطينية لدى أي دولة عربية، ملفًا خارجيًا، بينما في الحالة الأردنية تعد ملفًا داخليًا، بل وجوديًا، ولا يجوز الخطأ فيه لدى الملك عبدالله الثاني، ولا التهاون بالدفاع عنه” على حد تعبيره.
وتابع “لدى الاردن أوراق ضغط للتقليل من الانتهاكات الصهيونية، يستمدها من أهميته لدى الكيان، ومن الممكن تقويتها عبر التعامل مع الكتلة العربية داخل الكنيست، وفتح خطوط واسعة وعريضة معها”.
وأشار إلى أن “من الضروري الضغط من داخل الجسم القانوني والسياسي للكيان، وأن يبدو هذا المشروع وكأنه فلسطيني بحت، من خلال عرب 48، الذين أدخلهم الكيان داخل منظومته، وأصبحوا جزءًا لا يمكن الاستهانة به”.
“حكومة الاحتلال تتبنى أجندات المتطرفين”
من جهته، رأى الباحث المتخصص في شؤون القدس زياد ابحيص، أن المقدسات في فلسطين المحتلة أمام أخطار عديدة جادة، ومنها إلغاء دور الوصاية الأردنية “ما يتطلب مقاربة مختلفة للحفاظ عليها، واستعادة ما فقدته في السنوات الأخيرة”.
وقال لـ”قدس برس”: “يبدو واضحًا أن حكومة الكيان تتبنى أجندات اليمين المتطرف بتأسيسه المعنوي للهيكل المزعوم، وفرض كامل الطقوس اليهودية الدينية في الأقصى، وإلغاء دور الأوقاف الإسلامية في القدس، ووضع المسجد تحت الإدارة المباشرة لشرطة الاحتلال”.
وبيّن ابحيص أنه “في عامي 2020 و2021، علقت شرطة الاحتلال يافطات باسم (إدارة جبل المعبد) على باب المغاربة أثناء الأعياد اليهودية، في تحدٍّ سافر للأمة الإسلامية جمعاء”.
“اتجاهان بالسياسة الأردنية بخصوص الوصاية”
وأعرب ابحيص عن أمله باستمرار الدور الأردني في القدس، وتبنّيه خيارات لازمة للحفاظ على الوصاية، مضيفأ: “لكن الواضح أن الاحتلال يتجه نحو محاولة إلغائها على الأرض”.
ولفت إلى أن ثمة “اتجاهين في السياسة الأردنية، بينهما تناقض صارخ، ولن يفلح كل الذكاء السياسي في الجمع بينهما” وفق تعبيره.
وأوضح أن “الاتجاه الأول ينظر إلى الكيان الصهيوني باعتباره الثابت الوحيد، والمظلة الإقليمية في منطقة مضطربة، مع تراجع الغطاء الأمريكي، وبالتالي يعمل على توسيع الاعتماد عليه في الماء والكهرباء والغاز والتجارة والتشغيل”.
وتابع: “أما الاتجاه الثاني؛ فهو يحمل المسؤولية التاريخية عن المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، باعتبار الأردن آخر سلطة عربية شرعية على تلك المقدسات قبل احتلالها”.
وقال ابحيص إن “من الواضح اليوم أن الاتجاه الأول هو الغالب، وهناك إرادة سياسية أردنية لتعزيز الارتباط بالكيان الصهيوني، والاعتماد عليه في شتى المجالات، وهذا ما يجعل المسؤولية عن المسجد الأقصى تتحول مع الزمن إلى جملة معترضة، في سياق علاقات اعتماد متزايدة”.
يُشار إلى أنه بموجب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، يعتبر الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها.
Source: Quds Press International News Agency