القدس بين الصمت العربي.. والتصعيد الإسرائيلي (تحليل)

تجاهل الاقتحامات والطقوس التوارتية التي يمارسها المستوطنون في ساحات المسجد الأقصى المبارك؛ وغياب التغطية الإعلامية والإدانات العربية؛ لم يمنع انفجار الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينيية المحتلة؛ كما أنه لن يطيل بالضرورة من عمر الائتلاف “الحاكم الإسرائيلي” أو يحافظ على استراتيجية خفض التصعيد الأمريكي.

الصمت العربي الذي أعقب تشكل الائتلاف “الحاكم الإسرائيلي” بين نفتالي بينت ويائير لابيد وغانتس على أنقاض حكومة نتنياهو؛ والانفتاح “الدبلوماسي الإسرائيلي” على الجوار العربي، رهان لم يمنع من انفجار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، التي شهدت واحدة من أعنف جولات الاشتباك والمواجهة المسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال في جبال القدس وجنين منذ انتفاضة الأقصى في العام 2000.

فسقوط حكومة نتنياهو ومجيء ائتلاف نفتالي بينت ويائير لابيد وغانتس للحكم، رغم أنه سهّل التمرير الناعم لأجندة المستوطنين في المسجد الأقصى مستعيناً بالصمت العربي؛ إلا أنه لم يوقف الفعل المقاوم على الأرض الفلسطينية، خصوصاً في الضفة الغربية؛ فالرهان على استقرار الائتلاف الحاكم والانفتاح والتواصل بين العالم العربي والقادة “الإسرائيليين” و”التنسيق الأمني” مع السلطة في رام الله، لم يوقف حالة التدهور الميداني على الأرض بالضفة الغربية وأراضي الـ48؛ فالاحتكاك والاحتقان مع الفلسطينيين القادمين من أم الفحم وغيرها من مدن الـ48 للتضامن والدفاع عن الحرم القدسي الشريف تحول إلى مشهد يومي يصعب تجاهلة.

الاستراتيجية الأمريكية القائمة على التهدئة وخفض التصعيد التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ لم تبدد المخاطر التي تستهدف المسجد الأقصى ومدينة القدس؛ كما أنها لم تمنع الأسرى من تحرير أنفسهم من سجن جلبوع؛ ولم تحُول دون اندلاع معركة سيف القدس قبل ذلك بأشهر في رمضان من العام الحالي 2021.

الواقع على الأرض الفلسطينية مختلف تماماً عن الطموحات الأمريكية و”الإسرائيلية” والتوقعات الرسمية العربية؛ فغياب الكاميرات والاشتباك السياسي والإعلامي الرسمي العربي والإسلامي مع الانتهاكات الإسرائيلية، لم يغيّب المؤسسات الأهلية والشارع المقدسي عن توثيق الانتهاكات وقرع ناقوس الخطر.

سيناريو تكرر أكثر من مرة عبر السنوات الماضية؛ فتجاهل الانتهاكات “الإسرائيلية” قبل أربعة أعوام، لم يمنع إشعال معركة البوابات في 2017؛ كما أن غياب السلطة الفلسطينية وانشغال النظام الرسمي العربي بالتطبيع مع “إسرائيل” وبالصراعات الداخلية والمحاور الإقليمية؛ لم يمنع اندلاع معركة سيف القدس في رمضان الفائت من هذا العام 2021.

تكرار ما حدث في انتفاضة الأقصى في 28 أيلول/ سبتمبر 2000 بعد اقتحام ارئيل شارون لساحات المسجد الأقصى، لا يعد أمراً مستحيلاً أو مستبعداً؛ فإرهاصات انفجار موجة واسعة من الاحتجاجات في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي الـ48 قوية رغم الإجراءات الاحترازية والجهود التطبيعية وعمليات التعتيم الإعلامية؛ وغياب الجهد الرسمي العربي والإسلامي، الذي اعتاد ذر الرماد في العيون؛ لن يمنع انفجاراً كبيراً من الممكن أن يفوق في قوته وتداعياته ما حدث في العام 2000.

في ظل هشاشة “الائتلاف الإسرائيلي الحاكم” وضعف الخطاب الرسمي للسلطة الفلسطينية والنظام الرسمي العربي وحاجة أمريكا للتهدئة، فإن الصدام المباشر مع المستوطنين والمشروع الإسرائيلي في القدس أصبح خياراً عقلانياً لكافة القوى والمكونات الاجتماعية للشعب الفلسطيني؛ إلى جانب كونه صيرورة وخياراً وحيداً لوقف الانتهاكات والتصعيد الإسرائيلي في القدس وحرمها الشريف.

ختاماً.. لن تنجح التهدئة الأمريكية والصمت العربي والإسلامي في الحيلولة دون انفجار الاحتجاجات وتبني خيار المقاومة للمرحلة المقبلة؛ فالانتهاكات الإسرائيلية والانهيار البطيء والأكيد للسلطة وخطابها وصمت النظام الرسمي العربي وتخاذله رفع رصيد المقاومة ومشروعها وأعاد الحياة للشارع الفلسطيني وعزز خياره للانتفاضة والمقاومة.

Source: Quds Press International News Agency

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *